العنوسة الأسباب والعلاج

العنوسة الأسباب والعلاج

العنوسة الأسباب والعلاج 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :

بينما يرفل أهل هذه البلاد ولله الحمد بنعم كثيرة من وفرة المال والاستغناء عن الناس، وترك سؤالهم، وبينما نتقلب في ما أعطانا الله عز وجل من وافر النعم من مسكن وملبس ومأكل ومشرب، تظهر لنا بين فترة وأخرى مشاكل اجتماعية تعكر استمتاع الإنسان بهذه النعم، وهذه المشاكل الاجتماعية لاشك أنها من المصائب التي يبتلي الله عزوجل بها العباد متى أساءوا استغلال النعم واستبدلوها بالجحود والمعصية {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}. (الشورى:30) 

سوف أتكلم في هذه المقالة عن مشكلة اجتماعية لها أبعادها الخطيرة وعواقبها الوخيمة متى ما أهملنا علاجها بعد معرفة أسبابها .

هذه المشكلة هي باختصار تقدم العمر بكثير من بنات المسلمين بدون زواج إنها باختصار مشكلة ((العنوسة)) 

هذه المشكلة الآخذة في الانتشار والتي تجليها حقيقة الأرقام المهولة لمن هن واقعات في هذه المشكلة، حتي إننا لا نكاد نجد بيتًا من بيوت المسلمين إلا وفيه من اصطلت بنار هذه المشكلة .

وأريد أن أقف على أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه المشكلة، وأدت إلى انتشارها، ولعل بعض ما سأذكر من الأسباب لا 

 تخفى على الكثيرين، وبعد معرفة هذه الأسباب سنعلم يقيناً أن البنت وحدها لا تتحمل المسؤولية بقدر ما يتحمل المسئولية الأكبر هم أولياء الأمور الذين أصبح كثيٌر منهم وللأسف لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، بل كثير منهم كان سبب استفحال هذه المشكلة من حيث علم أو لم يعلم .

أما الأسباب فكثيرة منها :

1- طمع الآباء والأمهات في رواتب البنات، فبعض هؤلاء هداه الله يعلم أنه متى ما تزوجت البنت فسيحرم من راتبها، فنجده يرد كل خاطبٍ لأتفه الأسباب، فهذا والله من الظلم البين فكم من البنات أخذن بالدعاء على آبائهن لأنهم كانوا سبباً في ما هم فيه من الحرمان .

2- من الأسباب كذلك أن بعض الفتيات تعيش في أحلامٍ مبالغٍ فيها في اختيار الزوجْ فلو سمعت مواصفات زوج المستقبل عند هذه الفتاة لخُيل لك أنها لا تريد آدميًا وإنما تريد ملكاً من الملائكة!! فهي تريد رجلاَ بالغِ الجمالْ وذو شهادة عاليةْ، وعنده مال وفير، وغيرها من الشروط التعجيزية .

فلا تنتبه هذه المسكينة إلا وقد فاتها قطار الزواج فتضطر مرغمة بعد ذلك أن تتنازل عن كل شروطها حتى ربما تزوجت بمن يكبرها السنين الطويلة!! والسبب أنها تريد إدراك قطار الزواج بعد تقدم العمر مع أي انسان كائناً من كان .

3- ومن الأسباب كذلك اعتقاد المرأة أنها بالوظيفة ستكون مستغنية عن الزوج، وأن الزواج سيقيد حريتها ولا يجعلها تفعل ما تشاء، فبعض الفتيات تظن أن قمة سعادتها هو أن تحصل على بطاقة البنك، ومفتاح السيارة وتتجول في المقاهي والمطاعم !! فهمتها قاصرة وتفكيرها سطحي لا ترى إلا ما تحت قدميها فقط، إذ لو كانت عاقلة وحاذقة لعلمت أن رؤيتها لطفلها يلعب بين يديها أعظم من كل متاع الدنيا، وقرارها في بيت زوجها واستغناؤها عن الخلق أعظم من كل شيء .

4- ومن الأسباب كذلك التحجج بالدراسة فهي دائمة التأجيل لفكرة الزواج حتى تنهي الثانوية ثم الدراسات العليا ثم الدكتوراه ويكون حينئذ قد وصلت إلى سن كبيرة فمن بالله عليكم سيطرق بابها حينئذٍ ولو كانت حاصلة على أعلى الشهادات؟ 

5- ومن الأسباب كذلك عدم مبالاة الآباء وحرصهم على تزويج بناتهم ولسنا والله خيراً من عمر بن الخطاب الذي كان يحرص على تزويج حفصة أفضل الناس في ذلك الزمن فعرضها على أبي بكر ثم على عثمان حتى زوجها النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل نحن أشد حياء من عمر؟ أم أكثر إيمانا وعلما منه ؟ كلا والله ، وما زال كثيرٌ من أهل الخير الحريصين على ستر بناتهم ما زالوا يأتون إلى من يثقون به فيخبرونه ليبحث لهم عن زوج صالح فأسعدوا بذلك مُوَلّياتِهِم وأطاعوا أمر ربهم وقاموا بواجبهم .

6- ومن الأسباب كذلك التفريط في تربية البنات حتى يسوء خلقهن ويتردى سلوكهن فينصرف عنها الخطاب، ولأنه لا يوجد عاقل كائنًا من كان يسره أن تكون زوجته وأم أبنائه سيئة الخلق ورديةَ السلوك .

ومن شؤم هذه الفتاة سيئة الخلق أن شرها لا يقتصر عليها فقط؛ بل يتعدى إلى غيرها كذلك فكم من بنت صالحة عدل عنها الخطاب ولم يتقدم لها أحد بسبب تردي أخلاق أختها وقريبتها ولذلك شدد الإسلام على تربية البنات والاهتمام بهن وما ذلك إلا لأن الفتنة بهن عظيمة والشرُ من جهتهن كبير . قال ﷺ ((من ابتلي بثلاث من البنات فأدبهن وأحسن تأديبهن وعلمهن وأحسن تعليمهن إلا كن له ستراً من النار))

 7- ومن الأسباب كذلك عدم رضي كثير من النساء بالزواج ممن هو متزوج ولو كانت هذه الفتاة قد تقدم بها السن !!

وهذا من تأثير الإعلام السيئ الذي صوّر التعدد أنه مشكلة وليس حلاً، ومما يثير الاستغراب أن كثيراً من بلاد الغرب لما أحسوا بخطر الانحلال الأخلاقي وتفشي الفواحشْ كان من ضمن ما أوصوا به من حلول هو تعدد الزوجات، بينما المسلمون يستنكرون ويشنعون ويجرمون هذا الأمر الإلهي الذي هو من أولويات حل هذه المعضلة قال تعالى{فَانْكِحـُوا مَا طَـابَ لَكُـمْ مِـنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}(النساء، 3) 

8- ومن الأسباب كذلك غلاء المهور فكم من شاب رغب عن الزواج بسبب غلاء المهورْ فكانت الضحية هي تلك الفتاة وذلك الشاب، … أما حلول هذه المشكلة فتكمن في الأمور التالية :

(أ) استشعار أولياء الأمور لحجم هذه المشكلة، وأنه يجب أن يكون مبادراً لعلاجها، فالبعض وللأسف عنده تبلد في المشاعر، وعدم مبالاة في الأحاسيس!! يرى ابنته أمامه في كل يوم يتقدم بها العمر، يراها تداعب أبناء إخوانها وأخواتها، والأب لا يبالي، يتقطع قلبها حسرة والأخ كأن الأمر لا يعنيه، لم يفكر يوماً في أن يجد حلاً لهذه المعضلة وتلك المشكلة بل بعضهم أصبح من تبلد المشاعر يظن أن ابنته أو أخته غاية ما تطمح إليه، وأسمى ما ترجوه هو أن تأكل وأن تشرب وأن تنام !!

ألم يفكر هذا الولي أنها لحم ودم؟؟ ألم يشعر بأنها قلب ومشاعر وأحاسيس؟؟ 

ألم يفكر أن هذه البنت إن لم يكن لها دينٌ يردعها وخشيةٌ تردها أنها قد تطرق سبل الحرام وطرق الغواية فهل هذا يسر أحداً من الأولياء ؟؟ 

(ب) ومن العلاج تضافر جهود الأفراد والمسؤولين، الراعي والرعية، لعلاج هذه الظاهرة .

إن حجم هذه المشكلة لا يُتصور أن يقوم بعلاجها الأفراد وحدهم ، فالمشكلة أكبر مما نتصور فما لم يكن هناك دور للمسؤولين ومالم يكن هناك تقنين لقوانين تشجع في القضاء على هذه الظاهرة والحد من علاجها، إضافة لدور المؤسسات الخيرية، واللجان الدعوية وإيجاد أرضية إعلامية مهيئة تبرز الظاهرة وتسلط الضوء على علاجها، مالم تقم هذه الجهود مجتمعة فلن يكون هناك في الأفق حلاً قريباً لهذه الظاهرة، هذه هي الحقيقة وإن كانت مرة !!.

(ج) ومن العلاج تخفيف المهور وعدم المبالغة فيها ، قال صلى الله عليه وسلم: (أكثرهن بركه أيسرهن مؤنه) 

(د) ومن العلاج تزويج الأكفاء (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه (

(هـ) القبول بتعدد الزوجات حلاً لهذه المعضلة، فإذا كنا نتحدث اليوم عن عشرات الآلاف سيكون العدد غداً مئات الآلاف والله المستعان .

 

نسأل الله أن يعصم بنات المسلمين، والحمد لله رب العالمين 

د. محمد ضاوي العصيمي