قصص انتحر فيها العفاف 2
قصص انتحر فيها العفاف 2
القصة الثانية: انتقل الضابط ومعه الجنود إلى مكان الحادث، وعندما وصلوا إلى الموقع وجدوا الحادث في سفح أحد الجسور مرتفع عن مستوى الأرض ويصعب النزول إليه، ولكن الضابط والفرقة تمكنوا من الوصول، ولكن هالهم المفاجئة، وجدوا امرأة في العشرين من عمرها، وقد فارقت الحياة، وهي على صورة شبه عارية، ترتدي بنطالاً ضيقاً إلى نصف ساقها يسمونه استرتش، يعني: من هذه الملابس الضيقة التي تتمدد وتصف الجسد، وتلبس قميصاً ضيقاً يغطي نصف بطنها، أما وجهها فقد اختلط جمالها مع الأصباغ التي وضعتها على وجهها، اختلط مع تراب سفح ذلك الجسر، وقد أخذت وضع القرفصاء، وهي جامعة يديها إلى نحرها، مبرزة أظافرها الحمراء، وكأنها تصارع ملك الموت، ثاغرة فاها .
وكانت الفاجعة أعظم عندما انبعث من ذلك الثغر رائحة الخمر، يا للهول! امرأة في العشرين من عمرها تسكر؟!! أجل والله، وقد اختلط شعرها الطويل وقصتها الغريبة اختلط بدمها، غطاها رجال الأمن، وذهبوا إلى الرجل الذي كانوا يظنون أنه زوجها، وإذا بالمصيبة أدهى وأمر، رجل بالخمسين من عمره، قد خط الشيب في عارضه، فارق الحياة أيضاً، ورائحة المسكر تفوح من فمه، ووجهه مشوه من هول الصدمة، عاد رجال الأمن إلى سيارته، وإذا بقارورة الخمر وبعض الأطعمة التي تعد للجلسات الحمراء، وإذا بجهاز التسجيل وهو يعطي شريطاً غنائياً لأغنية ماجنة، وإذا الحقيقة المرة وهي أن الرجل أجنبي عن هذه المرأة، ولا تمت له بصلة، وبالرجوع إلى خلفيات القصة اتضح أن هذا الذئب الذي بلغ من العمر عتياً قد اصطاد فريسته الذي ظن الكثير من شبابنا وشيبنا أنها غنيمة، لقد أخذ فريسته وذهب بها، وفي إحدى الاستراحات دارت ريحة سهرة الحمراء، رقص وغناء وسكر وعربدة، وما خفي كان أعظم، فما ظنكم باثنين الشيطان ثالثهما، والخمر رابعهما، والموسيقى والرقص خامسهما، استمرا على ذلك جزءاً من الليل، وفي ساعة متأخرة قضى كل النهمة، وعاد الذئب بفريسته ليوصلها إلى منزلها، ولكنه أخطأ الطريق متأثراً بالسكر، فسلك طريقاً آخر، وفي الطريق ولأنه فاقد لوعيه انحرفت سيارته بكل سرعتها، لتصطدم بالسياج الحديدي بالجسر، ويخترق السيارة من مقدمتها إلى مؤخرتها، وتسقط في سفح ذلك الجبل ليلقى الله وهو سكران، ولتلقى الله وهي سكرانة، في خلوة فاضحة وفي فضيحة مشينة، ومن مات على شيء بعث عليه، فنعوذ بالله من سوء الخاتمة، إنه العار والشنار في الدنيا والآخرة، فبدل أن يترحم الأهل عليهما دعوا عليهما بالنار والعذاب، جزاء ما قدموه، والرجل كان فيه صدمة شديدة على أولاده الذين هم في سن الرجولة، وكانوا يقولون: فضحه الله كما فضحنا، أولاده يقولون: الله يفضحه كما فضحنا، أما المرأة فسارع أبوها إلى نفي التهمة عنها حينما قيل له: راجع المستشفى، قال: ابنتي صالحة، ابنتي مصحفها في جيبها، وسجادتها في شنطتها، وأخذ يكيل لها من المديح الذي أضر بها، إنها الثقة المفرطة التي توضع أحياناً في غير محلها، والتي يوليها بعض الآباء لبعض بناتهم، ولكنه اصطدهم بالحقيقة المرة، فلا تسأل عن حاله بعد ذلك، من البنات من تمكر وتخدع والدها، وتكيد لأسرتها، وتوهمهم أنها تذهب إلى المسجد وهي تذهب إلى البار، ومنهم من توهم أهلها أنها تذهب إلى الحرم وهي تذهب إلى الحرام، ومنهم من تحمل بحقيبتها المصحف وشريط المحاضرة وسجادة الصلاة لمخادعتهم فينخدعون ويثقون، وهنا تحصل الكارثة .
ولكم أن تتصوروا أيها الإخوة! أبناء لطخ والدهم عرضهم، وشوّه سمعتهم، وقضى على مستقبلهم، وأيضاً تصوروا رجل فقد ابنته في زهرة الشباب ومقتبل العمر في هذه النهاية البائسة التي انتحر فيها العفاف، من منا يحب أيها الإخوة أن تكون هذه نهايته؟!! ومن منا يحب أن تكون هذه نهاية ابنته أو أخته؟!! أجل لماذا التمادي؟؟ أغرنا ستر الله علينا !
إن كل من سار على الدرب وصل، وإن لم يتبادر الإنسان نفسه ويتوب إلى الله من الخطأ، وإلا فإن الله له بالمرصاد، أما سمعتم قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾[ق:37]، أما سمعتم قول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته »، هذه قصة انتحر فيها العفاف، ليست من نسج الخيال، ولكنها من أرض الواقع، ولعل في سوقها عظة وعبرة .
محاضرة بعنوان (عندما ينتحر العفاف)
للشيخ: سعيد بن مسفر