قصص انتحر فيها العفاف 4
قصص انتحر فيها العفاف 4
القصة الرابعة: قالها الرجل وهو يتجرع ألم فاجعته، وقد صار كالبركان تكاد الأرض تتزلزل من تحت قدميه، إن كل لغات الدنيا لا تستطيع أن تصف مصيبته، وقد تعجز الكلمات عن مدلولها، وتموت في بحر الحروف معاني، قالها بصوت يسمعه الجميع، قال: ليس للمرأة إلا بيتها، وأخذ يكررها، ولكن حين ذات مندم وبعد فوات الأوان، رمى بعمامته، ورجم بعقاله، وأخذ يركض ويقف .
هل تعلم أخي ما القصة وما مصيبة الرجل؟ اسمع حين ينتحر العفاف، أعطني لحظة من وقتك أخي! لقد دقت الساعة السادسة صباحاً في ذلك المنزل المكون من أم وأب وأولاد وبنات، في عمر زهور مراحل دراسية مختلفة، وقام الجميع واستعدوا للذهاب إلى المدارس عبر الروتين اليومي، وانطلق الرجل بسيارته، لم ينطلق من المسجد إلى البيت، وإنما قام من الفراش إلى السيارة دون أن يمر من المسجد فهو ليس من أهل صلاة الفجر، ولم تنطلق الفتاة إلا من جوار قنوات الفضاء، انطلق الرجل بسيارته مسرعاً في شوارع المدينة المكتظة، في مثل هذه اللحظات ساعة ذروة الحركة المرورية، الوظيفة المدرسة الجامعة الدنيا، يتسارع إليها الناس زحام وضجيج، وانتظار عند إشارات المرور، قبل ساعة ونصف من هذا الوقت منادي الله ينادي: حيّ على الصلاة فلا يجيب أحد، ويرتفع المؤذن من على المآذن الله أكبر فلا يستيقظ أحد، وحينما تدق ساعة الوظيفة والدراسة يستيقظ الناس، ويتزاحم الناس، ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾[الأعلى:16 / 17]، صراع وكبد من أجل ماذا؟
أخذ هذا الرجل أبناءه وهو ينظر إلى أكبر بناته طالبة في الجامعة على وشك التخرج، وأخذ ينسج في نفسه قصصاً من الخيال، يتصور هذه البنت وهي تتخرج من الجامعة، ويتصور وهي موظفة تدر عليه المال، وهذا حال كثير من الآباء الذين جعلوا من بناتهم بقرة حلوباً تدر عليهم الأموال، ثم تصورها وهي زوجة مع زوجها وأبنائها، إنها الأحلام والمنى التي يحلم بها كل رب أسرة، أنزل الرجل ابنته البالغة من العمر عشرين عاماً، أنزلها بجوار بوابة الجامعة، وودعها ولم يدر أنه الوداع الأخير، ونزلت الفتاة وهي تحمل على عاتقها حقيبتها الجامعية، أما ما تحمله في قلبها فهو الضياع والفضيحة والخيانة والفاحشة، نزلت على موعد مع حبيبها، أي جامعة هذه التي تذهب إليها؟ وأي علم هذا الذي تريد تحصيله؟ !
إن أيام الشباب محدودة وعما قريب تنقضي، ولذا بادرت هذه الجاهلة وهذه الحمقاء إلى استثمارها لكن في الفضيحة والعار، ووقعت في أوحال الرذيلة والانحطاط، لماذا كل هذه القيود؟ ولماذا لا نعيش في سعادة؟ كلمات ترددت في صدر هذه المخدوعة ومن على شاكلتها من الفتيات، وما إن تأكدت من ذهاب والدها، ومغادرته للمكان، وما إن غابت سيارته عن عينها حتى عادت أدراجها، وأسرعت إلى حيث الذئب البشري يقف هناك بانتظارها، وقد عطّر سيارته بالعطور الزاكية، وشغّل الموسيقى الصاخبة، وركب معها بل بعد أن فتح الباب لها، وقالت له: صباح الخير، فقال لها: صباح الورد والفل والياسمين، وسارت السيارة وهي تلقي على جامعتها نظرة الوداع، والوداع الأخير، والذئب البشري يمطرها ويرشها بألفاظ الإعجاب والهوى والحب والغرام، وكأنها زخات مطر تنزل على قلبها الميت والخالي من ذكر الله، والخالي من الإيمان بالله، تنزل على قلبها فتجد هذه الكلمات أرضاً سبخة تثمر المشاكل والمآسي، تثمر طلعاً كأنه رؤوس الشياطين .
وذهب الذئب بفريسته وضمن أنها بين يديه، هل تراه يقلقها أو يسبها أو يشتمها؟ وفي أثناء الحديث طرح عليها فكرة وقالها: ما رأيك لو ذهبنا إلى مدينة أخرى من أجل أن نتفسح طويلاً، فقالت: لا بأس وافقت على الفكرة، وطار الذئب، أو كاد يطير من الفرحة، وأدار مقود السيارة ليسلك الطريق المؤدي إلى تلك المدينة، ويرن جرس الإنذار محذراً من السرعة، ولكن السيارة الشبابية تتجاوز السرعة والشاب الهائج لا يستمع إلى مؤشرها، وفي الطريق تلقي نظرة الوداع الأخير على من نحر عفتها وشرفها، وسؤدد قبيلتها، بعد أن عادت من قضاء غرضها وغرضه عاد بسرعة حتى يدرك الجامعة قبل أن يأتي والدها، وانفجر إطار السيارة وانقلبت عدة قلبات صرخت بعدها، ولكن بعد فوات الأوان فقد انتهى كل شيء .
فات الأوان عن الإيمان يا امرأة *** لو تاب قلبك بالإيمان واعترفا
وإذا بذلك الشعر الطويل كأنه سنابل تركت بغير حصاد يغطي وجهها ولسان حالها يقول للذئب الذي شرب بنفس الكأس، تقول له: قاتلك الله كما قتلتني، هرع رجال الأمن إلى موقع الحادث واتضح كل شيء، هذه المرأة من هي؟ وكيف توصل إلى أهلها؟ فتحوا الحقيبة وجدوا اسمها وعنوانها وأنها طالبة في الجامعة، فوراً أدير قرص الهاتف على عميدة الكلية، وأخبرت الخبر ونزلت العميدة بنفسها إلى البوابة وقالت له: إذا حضر فلان بعد صلاة الظهر موعد حضوره فأخبرني، ووقفت مديرة الجامعة عند البوابة وهي تكفكف دمعها فقد بلغها الخبر وتكتم غيظها، وجاء الأب وحضر ليحضر ابنته كالمعتاد، ونادى المنادي: فلان بن فلان، لو تكرمت فجاء وعميدة الكلية تنتظره عند البوابة، وهناك تحدثت إليه والنشيد يعلو صوتها وقالت: يا أبا فلان! راجع قسم الحوادث، لماذا؟ أجيبي قالت: لا أعلم عندنا بلاغ نخبرك أن تراجع قسم الحوادث، قال لها: وابنتي؟ قالت: ابنتك ليست في الكلية، هي أمامك يبغى يأخذ بنتنا، ويبغى يروح يراجع بعدين، قالت: ابنتك هناك ما هي موجودة، انطلق الرجل مسرعاً، والألم يعصف قلبه، والأسى يقطع ضميره ويذهب به كل مذهب، ماذا حدث؟ من الذي أخرج ابنتي من الجامعة؟ كيف وصلت إلى ذلك المكان في المدينة الأخرى، أسئلة تتردد ولا يعرف لها جواباً .
وصل الرجل إلى القسم وتلقى الخبر من الضابط: عظّم الله أجرك وأحسن عزاءك، خار الرجل سقط على الأرض لم تنقله قدماه، رمى غترته شق ثوبه، لكن ما الفائدة؟ أخذ يردد بصوت يسمعه الجميع: ليس للمرأة إلا بيتها، يا ليت الآباء المهملين والمفرطين يسمعون صرخته، ويا ليت الفتيات العابثات والشباب العابث يسمعون هذه القصة بعد ما صموا آذانهم عن قول الله عز وجل الأعلم بحال عباده: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾[الأحزاب:33 ].
أخي الشاب! أختي الشابة! لو كشف ستار الغيب للضحيتين هذا الشاب وهذه البنت وعلم أنها ستكون نهايتهم هذه النهاية المأساوية، هل ...؟ الإجابة معروفة لا. طيب! هل تستطيع أيها الشاب أن تظلم نفسك؟ أليس من الواجب على الفتاة والفتى الذين أسكرتهم الشهوات أن يحذروا هذا المصير؟ إن المريض إذا أغمي يصعد بماس كهربائي يعود له وعيه، وكذلك أيها الإخوة! إن هذه الأحداث تمثل صعقات كهربائية إيمانية تهدي القلوب الغافلة، لقد كان في قصصهم عبرة .
إن هذا الأب صاحب القلب الحنون، هل كان يخطر في باله وهو يوصل بنته إلى الجامعة كل يوم أنه إنما يوصلها إلى عشيقها وحبيبها؟! هل كان يفكر؟ لا. لكن ما الذي جعله؟ الثقة المفرطة، الغفلة عدم التربية الإيمانية أوصلت إلى ما أوصلت .
أجل لماذا أيها الإخوة الثقة المفرطة هل هن ملائكة؟ نحن لا ننزع الثقة من البنات لا، لكن ندعو إلى التنبه والمراقبة، والحيطة والمتابعة، والتربية الإيمانية، إذا ربيتها إيمانياً، وأعطيتها جزء من الثقة وتابعتها، طيب! إنما تتربى على البعد عن الله، تسهر طول الليل على الدش وتعطيها ثقة؟؟ تضعها بجوار النار وتقول: لا. لا تشتعلي، من المستحيل أيها الإخوة .
تذكروا أيها الآباء! عظم المسئولية امام الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾[الأحزاب:33]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع ».
يا ترى من جلب لأبنائه الدش هل ضيع أم حفظ رعيته؟؟ هل ضيع الأمانة التي استودعه الله عز وجل إياها؟ نعم والله من ترك أبناءه وبناته في تربية هذه الأفلام والمسلسلات لقد ضيعها والله، يقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: « ما من مسلم يموت وقد استرعاه الله رعية، فيموت حين يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه رائحة الجنة »، ويزيد الأمر خطورة حين تعلم أخي أن عالماً من علماء المسلمين، وصرحاً من صروحهم، وهو سماحة الشيخ محمد بن عثيمين يقرر أن من يجلب الدش لأبنائه فقد غش رعيته، وأنه يخشى أن يشمله الوعيد بهذا الحديث والعياذ بالله، فكيف تفرط بالجنة وتعرض عنها بعرض زائل من الدنيا .
محاضرة بعنوان (عندما ينتحر العفاف)
للشيخ: سعيد بن مسفر