قصص انتحر فيها العفاف6

قصص انتحر فيها العفاف6

قصص انتحر فيها العفاف6 

القصة السادسة: خضراء دماً، كان كل شيء طبيعي في البيت الصغير الهادئ الذي لم يمضي على إنشائه سوى عام، والمكون من زوج في مقتبل العمر يكدح من الصباح إلى المساء، ويحلم أن يكون في مسائه في ظل زوجة حنون شريفة فاضلة، يقضي معها ليلاً في سعادة وهناء، أحلام ولكنها أحلام اليقظة، وإلا فمن أراد السعادة فليسلك مسالكها، فإن السفينة لا تجري على اليبس، كان هذا البائس المسكين له امرأة جميلة، جميلة المظهر خبيثة المخبر، وهي نتيجة لترك وصية الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال للشباب: « فاظفر بذات الدين تربت يداك »، بعض الشباب إذا أراد أن يتزوج جعل تركيزه الأول والأخير على الجمال، كيف طولها؟ كيف عرضها؟ كيف لونها؟ كم وزنها؟ طول شعرها بس، لكن دينها ما يسأل، بل ربما بعض الشباب إذا قيل له متدينة قال: ما أبغاها، هذه معقدة هذه، ما أبغى واحدة معقدة أبغى واحدة مفلوتة، هذا من هذا الطراز، الشاب هذا قام بحث عن واحدة جميلة، «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وقد تربت يدا هذا حين لم يظفر بذات الدين، ولكن حين لا حياة لمن تنادي . 

ظفر هذا الشاب بهذه المرأة الجميلة، وهي طالبة بالجامعة، وأصبح هذا المسكين بمنزلة السائق لها، روتين ممل يستيقظ في الصباح، ويوصلها إلى الجامعة، ويذهب إلى عمله، ثم يعود إليها بعد الظهر، ويأخذها من الجامعة، وهكذا دواليك . 

وفي أحد الأيام أحضرها إلى الجامعة كالعادة، ثم ذهب إلى عمله، وبعد ساعة وهو على مكتبه يرن الهاتف، وإذا على الطرف الآخر رجل الأمن: أنت فلان؟ نعم. فلانة تقرب لك؟ قال: نعم زوجتي، قال: أحضر إلى المستشفى كرماً. ماذا جرى؟ الأمر بسيط، أحضر وأسرع إلينا، وضع السماعة وخرج المسكين بسيارته وتزاحمت الأفكار والخيالات في رأسه، وما أن وصل إلى المستشفى وترك سيارته في موقف غير نظامي، ونزل منها وهو يركض كالمجنون، ودخل غرفة الطوارئ ووجد رجال الأمن: ما الخبر؟ أخذوه إلى غرفة الإنعاش، ويا للهول لقد وجد زوجته التي أحضرها إلى الجامعة، وقد غطتها الدماء، وهي تئن تحت وطأة الآلام والجراحات المبرحة التي عمت جميع جسدها، ولكن ألم الفضيحة أدهى وأمر، أخذ يصيح ويصرخ ويقول: ماذا حدث؟ قال له الضابط وقد أخبره الخبر: هنا تلعثم لسانه، واضطربت به الأرض ودارت به الدنيا وأخذ يجري ويصرخ، ويتحرك اتجاه زوجته غير مصدق لها أنها خائنة . 

ووسط سيل منهمر من السباب والشتائم على هذا الوجه الخبيث الذي طعنه في كرامته، قال لها: أنتِ طالق.. أنتِ طالق ثم طالق، ثم أتبعها ببصقة في وجهها الدامي ومضى تاركاً لها كل هذا العار والهوان والضنك وكل هذه الآلام . 

من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام 

آلام وفضيحة وطلاق وموت، مات عشيقها، وطلقها زوجها، وفضحت أهلها، وبقيت هي معوقة، كسر ظهرها، وقطع النخاع الشوكي لها، وأصبحت مصابة بشلل رباعي، تمنت أنها ماتت، وتمنى والدها وأمها أنها ماتت، لم يذهبوا بها إلى البيت، وإنما وضعوها في غرفة المعاقين، وفي دار العجزة لتقضي حياتها في بؤس وشقاء، وصدق الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ . 

ويسدل أيها الإخوة! الستار عن هذه القصص، وغيرها كثير، ولكن ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين . 

اللهم اجعل لنا من الناس عبرة، ولا تجعلنا للناس عبرة، ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ﴾ لكن لمن؟ ﴿ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111 ]. 

فالله الله أيها الإخوة! لا بد أن نأخذ بالأسباب الشرعية من حماية أعراضنا، ومن صون شرفنا، ومن التمسك بطاعة ربنا، فنربي أبنائنا وأسرنا وبناتنا على الفضيلة، ونلتزم بآداب الشريعة في الحجاب وفي غض البصر، وفي تحريم الخلوة، وفي تحريم الاختلاط، وأيضاً نحيط أعراضنا بعناية، ولا نمنحهم الثقة الكاملة، لا بأس بالثقة، لكن في حدود، أما أن تطلق العنان لمن هم تحت شرفك وإدارتك وولايتك، وأنت تعرف أن المجتمع موبوء، وأن وسائل الفساد كثيرة، وأن المؤثرات والمغريات منتشرة، وأن قرينات السوء في المدرسة وفي الشارع وفي الجامعة كثيرين، ثم بعد هذا تثق الثقة العمياء؟ 

هذا هو الذي سبب هذه الكوارث، وهذه قصص من عالم الواقع، وغيرها كثير، والكثير هذا هو الذي على السطح وطفى، وأن اللي ما يدرى عنه كثير . 

لكن نسأل الله أن يسترنا بستره، وأن يستر مجتمعنا، وأن يستر نساءنا وبناتنا، ورجالنا وشبابنا بستر الإسلام، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا، وشبابنا وشاباتنا، يوفقهم لرعاية الفضيلة، وحماية الدين، وحماية الأعراض، إنه ولي ذلك والقادر عليه .