ليس منّا من لم يعرف لعالمنا حقه1

ليس منّا من لم يعرف لعالمنا حقه1

ليس منّا من لم يعرف لعالمنا حقه

وهو أن مما لا شك فيه ولا ريب أن واجب العلماء من أعظم الواجبات الملقاة على عواتق أصاحب المسئولية، ومسئوليتهم من أعظم المسئوليات، بل قد تكون أعظم مسئولية، ذلكم لأن نفعهم متعد إلى الناس جميعا، كما أن تقصيرهم متعد إلى الناس جميعا وكيف لا يكون ذلك وهم الذين تعبدنا الله تعالى بسؤالهم وبالرجوع إليهم: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} والكلام في منزلتهم ومعرفة حقهم مشهور معلوم، بل قد صُنِّفت مصنفات مستقلة في شأن العلماء وعظيم مكانتهم وشريف منزلتهم.

ومن ذلك على سبيل المثال: كتاب (أخلاق العلماء) للإمام الأجري رحمه الله تعالى وعوداً على بدء يقال: إننا لا ندّعي في مشايخنا العصمة، كما تدّعي بعض فرق الضلال أنّ لأئمتهم كمالاً مطلقاً لا يعتريه نقص ولا خلل إذا تبيّن هذا فمن لازم القول بيان بعض الأمور، أُجملها في عشرة  أمور:

الأمر الأول: أن ربط كل خلل يحدث في المجتمع  سواء كان انحرافا في سلوك أو إشاعة لمنكر أو غير ذلك إن ربط ذلك بالعلماء فيه حيف وجور، ورمي لهم بالبهتان فقد وقع في بلاد المسلمين حوادث كثيرة بذل العلماء جهودا في تنبيه الناس وتحذيرهم، ومع هذا كله وقعت تلك الأمور .فكم حذر العلماء وبيّنوا مشافهة أو كتابة أو خطابة حكم الربا والزنا والعقوق والظلم والبدعة ومع ذلك كله لم يقلع عن ذلك كل أحد ولا يلزم من هذا تلوث ذمة العلماء أو تقصيرهم في واجب البيان ولو كانت براءة الذمة في حق دعاة الخير مستلزمة لعدم وقوع المدعوين في المعاصي لما سَلِم من ذلك أحد حتى أنبياء الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام ، ولكن براءة الذمة تكون بالبلاغ مع التغيير حسب القدرة، وكذلك ما يتعلق بالفكر المنحرف فقد بيّنوا وحذّروا ويقال أيضاً كما قيل سابقاً إن خروج هذا الفكر لا يلزم منه تقصير العلماء وبالمثال يتضح المقال: فقد خرج شراذم الخوارج في زمن كانت فيه شريحة كبيرة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم قام أولئك النشاز من أهل الفكر المنحرف بالإفساد في المجتمع إفسادا عقائديّا وبدنيّا وماليّا، فأشاعوا الفوضى ولطّخوا وجه التاريخ، فهل يُقال أو يُتصور أن خروجهم كان بسبب تقصير الصحابة رضي الله تعالى عنهم؟ حاشا وكلا ولا لعل إذا فالله الله في النظر إلى الأحداث وأسبابها بعين البصيرة لا بعين البصر المجرد، وليتق العبد ربه فيما يقول وفيما يكتب 

الأمر الثاني: أن علماؤنا كانت ولا تزال دروسهم ومحاضراتهم وفتاواهم مكتوبة ومسموعة ومطبوعة، وفيها التحذير من تلك الانحرافات وما شاكلها من مذاهب ضالة، فضلا عن التحذير من القوادح العقدية والمنكرات السلوكية، ناهيك عن الفتاوى المتنوعة

في المعتقد والعبادات والمعاملات والآداب إلى غير ذلك 

الأمر الثالث: أن بعض هؤلاء اللامزين في حق العلماء هم من أسرع الناس مخالفة للعلماء إذا لم توافق فتاوى العلماء آرائهم، والأمثلة كثيرة، ولعل من أوضحها: فتوى العلماء في جواز مجيء القوات الأجنبية في حرب الخليج ، فقد أفتت هيئة كبار العلماء على رأسهم سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى بجواز ذلك نظرا للمصلحة العامة، فلما خرجت تلك الفتيا جاءت الاعتراضات عليها مكاتبة ومشافهة فهذا مثال على أن بعض من يلمز العلماء ويرميهم بالتقصير كان سبّاقا في مصادمة بعض فتاواهم، موقعاً بسبب تلك المصادمة الشحناء بين العلماء وبين كثير من شباب المجتمع، ثم تراه بعد ذلك يُثرّب على العلماء عدم مواكبتهم للأحداث وغيابهم عن الساحة، فيا سبحان الله ويا عجباً من هذا الصنيع !! ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل

الأمر الرابع: أن بعض أولئك اللامزين للعلماء والرامين لهم بالتقصير لا يُعرف عنهم الوصاية بحضور دروس كبار العلماء كالشيخ ابن باز وابن عثيمين في حياتهما، وكذا الشيخ صالح الفوزان وغيرهم من كبار علمائنا، وقد يوصي بعضهم وهذا نادر، بينما ترى أولئك مبجلين معظمين لغير العلماء من المربين والوعّاظ والمتكلمين، حاثّين على حضور دروسهم ومزكين لهم تزكية يعرف اللبيب مفهوم المخالفة منها، وأنها تشير إلى لمز بعض كبار العلماء لعدم فقههم في الواقع وعدم التفاعل مع الأحداث، إلى غير ذلك من العبارات الجارحة زورا وبهتانا في مقام العلماء.

الأمر الخامس: أن بعض أولئك اللامزين للعلماء والمحملين لكل خطأ على عاتق العلماء ترى بعضهم إذا ما وقع بعض الشباب في تصرف خاطئ أيّاً كان نوعه سواء من سوء أدب مع عالم أو جرأة في التشهير بخطأ عالم أمام الناس أو إنكار لمنكر على غير صورة شرعية أو غير ذلك من سيئ الأقوال والأفعال،  قام ذلك اللامز بحث الشباب على لزوم العلماء وعدم التسرع والعجلة ولسان حال بعضهم في بعض الأمور: (لم آمر بها ولم تسؤني) ومثل هذا يُذكّر بقول الله جل وعلا: {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروهِ}  .