معالم فـي الحج1
معالم فـي الحج1
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد كان من حكمة الله تعالى أنه نوَّع بين العبادات زمانًا ومكانًا وأداءً، ومن ثمرات تلك الحكمة في ذلك التنوع التعبدي الرغبة في التكثر من العبادة، وطرد السآمة والملل عن النفوس، وحتى يبقى العبد متعبدًا لله في جميع شؤونه... ﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ﴾.وكان من عظيم شأن الحج أنه تضمَّن أنواعًا كثيرةً من التعبُّد تعود على صاحبها بثمرات عظيمة إذا تحقق عنده الاتعاظ والاعتبار منها عند أدائه لها، ومعالم الحج كثيرة جدًّا، ومن نظر في كلام أهل العلم من المفسِّرين والفقهاء والشرَّاح علم مصداق ذلك. وأسوق هنا بعض معالم الحجّ؛ لأنّ تذكّرها ــ ومثلها ــ يزيد الحاجَّ عنايةً بحجِّه وصلاحًا لقلبه بعد توفيق الله تعالى، وقد يدخل بعض المعالم في غيره، لكنِّي آثرتُ التقسيم والترتيب للتنويع
1. فمن معالم الحجّ: أنه من أعظم مظاهر توحيد الله تعالى؛ ففي تلبية الحاج توحيد لله تعالى، وفي تجرُّد المسلم من لباس المخيط وارتداء لباس الإحرام تعبُّد لله وتوحيد له، وفي لهج لسانه بالدعاء والضراعة توحيد لله، وفي تلبية المسلم توحيد لله... فلا يُدعى إلا الله، ولا يرتجى إلا الله، ولا يفتقر إلا لله... تُرفع الأيدي وتسابق العبرات العبارات، فهذا يدعو ويؤمِّل، وذاك يشكو بثّه وحُزنه، وثالثٌ يفتقر، ورابع يعترف بذنبه ويستغفر... فالله يُدعى وله يُركع ويُسجَد ويُنحر،لا معبود بحقّ سواه. وبكلِّ حال فشعائر الحجّ جملةً وتفصيلاً توحيدٌ لله تعالى وإفرادٌ له بالعبادة وأنه المعبودُ بحقّ .
.2 ومن معالم الحج: تعميق جانب مخالفة المشركين، ومن وجوه ذلك أنّ المشركين يشركون في تلبيتهم بقولهم: لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملكت؛ فالمسلم الموحد يتبرَّأ من هذا الإشراك في التلبية، فيفرد ربه بالتوحيد ملبيًا: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وإذا كان المشركون يحلقون رؤوسهم تقربا لأصنامهم ولأوليائهم، فالموحِّد يحلق شعره تعبُّدًا لله واقتداءً بنبيه ×، وإذا كان المشركون يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس فمن مخالفتهم الدفع بعد غروبها، وإذا كان المشركون يدفعون من مزدلفة بعد ارتفاع الشمس فالدفع قبل ذلك من مخالفتهم .
.3 ومن معالم الحج: تعميق الافتقار إلى الله تعالى وأنه هو الغني الحميد، وأن العباد محتاجون إليه مفتقرون إليه. ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾. ومن أسباب تحقيق هذا الاعتقاد في نفس الحاج إذا تذكر أن هذا البيت قد حجه الأنبياء والصديقون والشهداء والأتقياء، وكلهم فقراء إلى الله يرجون رحمته ويخافون عقابه؛ جاؤوا إلى أداء مناسكهم بقلوب خاشعة وأعين دامعة وألسنة ذاكرة، إذا تذكر أولئك الصفوة من خلق الله وتلك الثلة المقدمة في الورع والتقى زاد افتقارا إلى الله وإلحاحا في الدعاء واستكانة وتضرعا بأقواله وأفعاله
.4 ومن معالم الحج: تحقيق الاتِّباع والاستسلام لما جاء عن الله تعالى ورسوله ×، ومن أمثلة ذلك: تقبيل الحجر الأسود، فهو حجرٌ لا يضرّ ولا ينفع نفسه فضلاً عن أن ينفع غيره، ولكن لما
كان تقبيله من الأمر المشروع استجابةً لقول الله تعالى: ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾، وقوله ×: «خذوا عنِّي مناسككم» ترى المسلمين يتسابقون إلى تقبيله انقيادًا واتِّباعًا
.5 ومن معالم الحج: تفويض الأمور كلّها إلى الله تعالى، وأنّ العبد مهما بلغ في القوة وكثرة الأموال والخدم فلا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ومن ظهور ذلك في الحجّ قول الحاجّ عند إحرامه: «فإن حبسني حابسٌ فمحلِّي حيث حبستني»، فهو يعترف باحتمال وقوع ما يمنعه من الحجّ، ويعترف أنه لا ملجأ من الله إلاّ إلى الله .
.6 ومن معالم الحج: تقوية جانب حُسن الظنّ بالله تعالى وعدم اليأس وتذكّر سعة رحمة الله تعالى، ومن شواهد ذلك في الحجّ عند السعي بين الصفا والمروة وتذكّر حال خبر إبراهيم ؛ عندما وضع إسماعيل ؛ وهو طفلٌ رضيع مع أمِّه هاجر في هذا الموطن ولم يكن ثمّة ماءٌ ولا زرع، ومع ذلك لم تيأس هاجر من رحمة الله تعالى، بل أخذت في الذهاب والإياب راجيةً مؤمِّلةً بالله؛ فكان ما جاء من خبرها مع نبع زمزم .
.7 ومن معالم الحج: تعظيم شأن الله تعالى؛ فإذا رأى المسلم تلك الجُموع الكثيرة المختلفة في لهجاتها ومطالبها وعلم أنّ الله يعلم سرَّهم وعلنهم ويرى أشخاصهم ويسمع كلامهم، ثمَّ تذكّر أنّ هذا الجمع لا يُذكر عند جمع الحشر الأكبر، ومع ذلك كلّه: ﴿ ما خلقكم ولا بعثُكم إلاّ كنفس واحدة ﴾، إذا استحضر المسلم تلك الأمور زاد لله تعظيمًا وله حبًّا ومنه خشيةً .
جزء من محاضرة الشيخ عبد العزيز السدحان (معالم الحج )