مناهج الإصلاح 1

مناهج الإصلاح 1

مناهج الإصلاح 1 

  الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: 

فلقد كانت حال الناس في الجاهلية حالاً تجتمع فيها المتناقضات والمضحكات والمبكيات. كانت مجتمعاتهم ترتدي ثياب الفوضى الخلقية والاجتماعية، كان الظلم قد استوى على سوقه ، وكانت عبادة الأشجار والأحجار شعاراً لكل قبيلة ، فقبيلة تعبد حجراً، وقبيلة تعبدا شجراً، كانت سوق الربا رائجة، وكانت الخمر سيدة مجالسهم ، وهكذا كانت حياتهم .. ظلمات بعضها فوق بعض، ومع هذا الليل البهيم، بدأ في الأفق صبح يتنفس، وأذن الله لهذه الظلمات أن تنقشع ، فبعث الله محمداً ، فأحيا به القلوب،  وأسمع به الآذان، وفتح به البصائر والأبصار، فتهذبت أنفس وهوت أفئدة إلى بارئها قام النبي برسالة ربه خير قيام، فبلَّغ  الرسالة ، وأدَّى الأمانة ، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فأوذي في سبيل ذلك أعظم إيذاء ، فقالوا عنه : ساحر ، وتارة : شاعر، وتارة : مجنون، وتارة : كان .آذوه وضربوه وأخرجوه، ومع ذلك كله لم يفتُر عزمه ، ولم تكسر له قناة ، بل زاده صبراً وعزيمة .قيّض الله له أصحاباً بررة ، أوذوا وعذبوا ، بل قُتِلَ بعضهم ، قامت تلك الثُلَّةُ المباركة تدافع عن نبيها ، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ، تركوا أموالهم وأوطانهم في سبيل نصرته ، ولاقوا في سبيل ذلك المصاعب ، ومع هذا كله ما زادهم إلا إيماناً وتسليماً .كانوا خير أصحاب لخير نبي، زكاهم ربهم ، وتوعد شانئهم ولامزهم، فرضى الله عنهم ورضوا عنه .معاشر المسلمين .. ولمّا مات النبي  قام الخلفاء  الراشدون – رضي الله تعالى عنهم – بعد نبيهم خير قيام ، فحافظوا على دولة الإسلام ، وزادوا في توسيع رقعتها، وتوطيد دعائمها ، فهابتهم أمم الشرق والغرب ، دخل الناس في دين الله أفواجاً ، واتسع رداءُ الإسلام ، فعم بظِلاله أرجاء كثيرة من المعمورة ، وكانت القرون الثلاثة الأولى هي خير قرون الإسلام وأفضلها، وكان صدرُ الإسلام العصرَ الذهبي للإسلام والمسلمين معاشر المسلمين.. ولمّا  كان التمسك بالإسلام هو الطريق إلى الظفر والفوز في هذه الحياة؛ كما قال r : ))  تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )) أخرجه الحاكم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه - معاشر المسلمين .. لما كان الأمر  كذلك ، كانت عزة المسلمين أو ذلتهم خاضعة لمعيار تمسكهم بتعاليم دينهم .معاشر المسلمين .. ولما كان الصراع بين الحق  والباطل قائماً على قدم وساق، أصاب أمة الإسلام من جُرّاء ذلك نوازل عظيمة ، ثم ما لبثت أن استعادت مجدَها أو بعض مجدِها، ثم عصفت بها نوازل أخرى معاشر المسلمين .. وكان من أعظم النـوازل التي حلّت بأمة الإسلام ، وكانت سببـًا – بل باباً مُشْرعاً – لولوج الضعف والوهن في قلب المجتمع الإسلامي : تلك الأمور المحدثة البدعية في العقائد والعبادات، تلك الضلالات المتنوعة التي شوَّهت نقاء الإسلام وصفاءه ، فأضرحة تعبد من دون الله تعالى ، يطاف حولها ، ويتمسح بجدرانها ، ودماء تُراق لغير وجه الله، ونذور لغير الله ، وتمائم شركية ، وحلف بغير الله ، وموالد بدعية ، وأذكار ما أنزل الله بها من سلطان .وأما السحرة والكهنة والعرافون ، فسوقهم رائجة ، وبضاعتهم نافقة .ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل خاض خائضون في أسماء الله تعالى وصفاته ، فحرّفوا وألحدوا ، وأوّلوا واستحسنوا ، فكانت عقائدهم تابعةً لعقولهم ، فضلوا وأضلوا كثيراً بعقولهم المجردة عن اتباع النصوص .قال الإمام السَّجْرِيُّ – رحمه الله تعالى - : ( ولا خلاف بين المسلمين في أن كتاب الله لا يجوز رده بالعقل ، بل العقد دلَّ على وجوب قبوله والائتمام به ، وكذلك قول الرسول،  إذا ثبت عنه لا يجوز رده ، وأن الواجب ردُّ كلِّ ما خالفهما أو أحدَهما ) (1) اهـ .معاشر المسلمين.. والناظر في  كثير من مجتمعات المسلمين ، يرى فيها أثر البُعدِ عن التمسك بالنصوص الشرعية ، فقد غابت كثير من معالم السنن ، وظهرت وانتشرت رائحة البدع النتنة ، فكثير من بلاد المسلمين تلك المساجد التي تحتضن بين جنباتها أضرحةً يُتَحرى حولَها إجابة الدعاء ، بل يجتهد بعضهم في شدِّ الرحال إليها ، يحتار الزائر لبعض بلاد المسلمين في العثور على مسجد يخلو من ضريح أو من ألوان البدع ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون معاشر المسلمين .. ولمّا كان قيام البدع مرهوناً بإماتة السنن ، كانت راية البدع بقدر ارتفاعها تزيد في وهن راية السنة .قام الإمام البَرْبَهَارِيُّ – رحمه الله تعالى - : ( واعلم أن الناس لم يبتدعوا بدعةً قط حتى تركوا من السنة مثلَها ، فاحذر المحدثات من الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة  ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار )(2) انتهى كلامه – رحمه الله تعالى -   

فالله نسأل أن يرزقنا الاستقامة على الرشد ، وأن يجنبنا مضلاتِ الفتن ، إنه تعالى سميع مجيب.وللحديث بقية إنْ شاء الله تعالى .