ولله الأسماء الحسنى 2
ولله الأسماء الحسنى 2
وأسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء في الكتاب الكريم وما صحَّ من سُنّة سيّد المرسَلين، صلى الله عليه وعليهم أجمعين، فلا يُزاد في أسماء الله تعالى ما لم يأت النصّ بإثباته، ولا يُنفَى منها ما صحّ الخبر به.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: «ولله تعالى أسماءٌ وصفاتٌ جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيُّه أمّته، لا يسع أحدًا من خلق الله قامت عليه الحُجّة ردّها؛ لأنّ القرآن نزل بها، وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها فيما روى عنه العُدول، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجّة عليه فهو كافرٌ، أمّا قبل ثبوت الحجّة عليه فمعذورٌ بالجهل؛ لأنّ علم ذلك لا يُدرَك بالعقل ولا بالرُّؤية والفكر...»(3).
وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: «ومن علم هذا الباب ـ أعني الأسماء والصفات ـ وممّا يدخل في أحكامه ويتعلق به من شرائط: أنه لا يُتجاوز فيها التوقيف ولا يُستعمل فيها القياس...»(4).
وقال السفّاريني رحمه الله تعالى في منظومته العقدية: «لكنها في الحقّ توقيفية لنا بذا أدلة وفيّة»
ثمّ شرح هذا بقوله: «(لكنها) أي: الأسماء الحسنى في القول المعتمد عند أهل الحقّ، (توقيفية) بنصِّ الشرع ووُرود السمع بها. وممّا يجب أن يُعلم: أنّ علماء السنّة اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى والصفات على الباري جلّ وعلا إذا ورد الإذن من الشرع، وعلى امتناعه على ما ورد المنعُ منه» (5).
وممّا ينبغي أن يُعلم: أنّ أسماء الله تعالى غيرُ محصورة بعدد معيَّن.
قال الإمام ابنُ القيِّم رحمه الله تعالى: «الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر، ولا تُحدّ بعدد، فإنّ لله تعالى أسماءً وصفاتٍ استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمُها مَلَكٌ مقرَّب ولا نبيٌّ مرسَل» (6).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: «ذهب جمهورُ أهل العلم إلى أنّ أسماء الله الحسنى لا تنحصر في هذه العِدَّة ـ يعني تسعة وتسعين ـ وأنها أكثر من ذلك، ونقل النووي اتفاق العلماء عليه، ويؤيِّده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود الذي أخرجه أحمد وصحَّحه ابن حبَّان: «أسألك بكلّ اسمٍ هو لك، سمَّيتَ به نفسَك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدًا من خلقك أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك»(7)» اهـ.
ولمّا ذكر الخطّابي حديث ابن مسعود هذا قال بعده: «فهذا يدُلّك على أنّ لله أسماءً لم يُنزلها في كتابه، حجبها عن خلقه ولم يُظهرها لهم»(8).
وبكلّ حال؛ فحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يدُل على أنّ أسماء الله تعالى على أقسام ثلاثة: قسمٌ أنزله في كتابه، وقسمٌ علّمه بعض خلقه، وقسمٌ استأثر اللهُ تعالى به في علم الغيب عنده.
وأمَّا ما صحّ في الحديث: «إنّ لله تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنّة»(9) فليس معناه حصرُ الأسماء في هذا العدد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «والصواب الذي عليه الجمهور: أنّ قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ لله تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنّة» معناه: أنّ من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنّة، ليس مُراده أنه ليس له إلّا تسعةً وتسعون اسمًا..»، ثم ذكر حديث ابن مسعود السابق ثم قال: «وثبت في الصحيح أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: «اللهمَّ إنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك»(10). فأخبر أنه صلى الله عليه وسلم لا يُحصي ثناءً عليه، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلّها، فكان يُحصي الثناء عليه؛ لأنّ صفاته إنما يُعبَّر عنها بأسمائه...»(11).
وبكلّ حال؛ فقول القائل: عندي مائة درهم أعددتُها للصدقة، لا يلزمُ منه عدمُ وجود دراهم غير تلك المائة، لكن الشاهد أنه خصَّ للصدقة مائة درهم.
وممّا ينبغي التنبيه عليه: أنّ ذِكر الأسماء التسعة والتسعين وسردَها اسمًا اسمًا لم يصحّ مرفوعًا إلى النبيّ ج، كما صرّح بذلك كثيرٌ من أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد كلام له: «وبكلّ حال؛ فتعيينُها ليس من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه»(12).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: «والذي عوَّل عليه جماعةٌ من الحفاظ: أنّ سرد الأسماء في هذا الحديث مُدرَج فيه»(13).
وقال الإمام الداودي رحمه الله تعالى: «لم يثبُت أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عيَّن الأسماء المذكورة»(14).
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى: «وجاءت أحاديث في إحصاء التسعة والتسعين اسمًا مضطربةً لا يصحُّ منها شيءٌ أصلًا»(15).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: «والتحقيق أنّ سردها إدراجٌ من بعض الرُّواة» (16).
وبكل حال؛ فالذي ثبت من الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلّا واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة» أخرجه الشيخان(17).
ولقد بيَّن أهل العلم معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الأسماء التسعة والتسعين: «من أحصاها دخل الجنّة»، فقد ذكر الإمام ابن القيِّم رحمه الله تعالى: «أنّ هناك ثلاثَ مراتب لقوله «أحصاها»:
الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها.
الثانية: فهمُ معانيها ومدلولها.
الثالثة: دعاؤه بها، كما قال تعالى: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) [الأعراف: 180]»(18).
ولقد اجتالت الشياطين أقوامًا من الناس فضلّوا وأضلّوا في أسماء الله تعالى، فوقعوا فيما حذّر الله منه:
(وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) [الأعراف: 180]