صور من عدم الحــياء
)) صور من عدم الحــياء ((
حديثنا عن خُلُقٍ هو من أجَلّ الأخلاق وأعظمها وأولاها بالحرص والعمل، أعني به خلق الحياء .. وتحدثت قبل ذلك عن كيف أن الحياء جماعٌ لأبواب الخير، ومانعٌ من الوقوع في القبائح، وكنت قد ذكرت نصوصا كثيرةً من الكتابِ والسنّةِ مرغِّبةً وحاضَّةً على التخلق بهذا الخُلُق العظيم، وما ذلك إلا لما نرى ونسمع ونُحَدَّثُ عن سلوكيات مشينة وأخلاقيات مستهجنه وتصرفات معيبة، أخَذَتْ تظهر وتطغى والسبب هو ذهابُ الحياءِ أو قِلَّتُه
وفي هذه المقالة سأذكر بَعْضَ الصورِ التي إنْ دلَّت على شيء فإنما تدل على نزع الحياء من وجوه أصحابه، وهذه الصور ليست مختصةً بالرجالِ دونَ النساء بلْ هي عامة تعمُّ الجميع وإن كان البعضُ قد يخْتصُّ به جِنْسٌ دون جنس .
فـمن صور عدم الحياءْ وما أكْثَرُها لُبْسُ المرأة للثياب الجالبة للفتنة، المثيرة للغرائز، والمحرِّكة لشهوات الرجال، ولست هاهنا أريد الحديث عن لباس المتبرجات المعهود، ممن تظهر رقبتها وساقيها وذراعيها فهذا حُرْمتُه معلومة لكل أحد، وإنما أريد الكلام عن ثياب ولباس لُبِّس لُبوسَ الشرْع، والشرع منه براء، وأعني به النقابات التي تلبسها بعض النساء بمرأى من محارمها وهي قد أظهرت من الزينة والفتنة أكثر مما يظن منها إخفاؤه فـتشد المرأة النقاب على وجهها لتبرز وجنتيها، وقد صبغت وجهها لتظهر زينتها، ودلست على الرائي بلون عينيها ، ثم وضعت فوق شعرها ما يطيل هامتها ثم ليست هذه العباءات الضيِّقة التي فَصَّلت جسدها وتقاسيم بَدَنِها مع ما في هذه العباءات من صور وزركشه ورسومات وألوان ملفتة للنظر .. فـتعظم بها الفتنة، وتغرى من تمر به من ضعاف الإيمان، وتثير الغرائز، ثم الأدهى والأمرّ اعتقادها واعتقاد وليها بأنها بهذه الصورة قد سترت نفسها، وأنّها ليست بهذه الصورة في عداد المتبرجات، وهذا غير صحيح بل العاقل والمتأمل يعلم عِلْم اليقين بأن الفتنة بهذه النقابات التي ذكرتُ لكم صورته أعظم من الفتنة بامرأة قد كشفت وجهها وأظهرته .
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الصنف وبين شدة عقوبته عند الله تعالى كما في قوله:(( صنفان من أمتي لم أرهما وذكر منهما نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة .. لا يجدْنَ الجنة ولا يجدْنَ ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).. قوله صلى الله عليه وسلم :كاسياتٌ عارياتٌ)) .. أي أنها كاسيةٌ في نظر الناس لكنّ هذا الكساء جعلها في عداد العاريات لأنها أظهرت مفاتنها وزينتها وجلبت أنظار الفُسّاق ومرض القلوب إليها .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم (( كأسنمة البخت المائلة )) تشبيه بمن ترفع شعرها فوق رأسها أو تضع شيئاً فوق رأسها لِتُعْلِيَ هامتها، فأولئك لا يجدن الجنة ولا يجدن ريحها، وإنما عظمت العقوبة واشتد الذنب لأن فساد المرء في نفسه أهون من إِفساد الإنسان لغيره، فهذه المفتونة لم يقتصر شرُّها على نفسها فقط، وإنما شرُّها تعدى كل من وقع بصره عليها، وتعظم المصيبة حينما نرى بعض مَنْ ظاهره الصَّلاح والدين والحرص على الصلاة يمشي بجوار من هذه حالها ويرى ويشاهد العشرات بل المئات تدور أبصارهم إلى زوجته وأخته وابنته وكأن الأمر لا يعنيه، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على تبلّد المشاعر، وانعدام الغيرة، وذهاب الحـــياء نسأل الله العافية .