LaraMag

collapse
Home / نصائح أسرية / حق المعاشرة بالمعروف ج7

حق المعاشرة بالمعروف ج7

2024-04-01  الشيخ محمد مختار الشنقيطي

 

حق  المعاشرة بالمعروف ج7

العشرة بالمعروف تحتاج إلى شيء من التضحية، تحتاج إلى شيء من الصدق في المحبة ومبادلة المشاعر، التي تنمي عن الكمال في الزوجية والألفة، ولذلك كان هديه عليه الصلاة والسلام أكمل الهدي، ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام، عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: (كان يُؤتى إليه بالشراب)، تأتي عليه الصلاة والسلام بالمرق أو باللبن، تقول رضي الله عنها، وهو الذي طلب وسأل، تقول رضي الله عنها: (فيقسم عليّ أن أشرب قبله)، لأنها ما كانت لترضى -لأنها كريمة بنت كريم- أن تتقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحفظت حقه، فإذا أدنته بالشراب، قال لها: اشربي، فأبت، فإذا أبت، حلف عليها، قالت: يُقسم علي، فتأخذ الشراب فتشرب، فيضع فمه حيث وضعت فمها صلوات الله وسلامه عليه. هل هو يريد موضع شربها؟ لا والله، ولكنه يريد أن يشعرها بمكانتها وبالمحبة وبالمودة؛ لأنه كما يتقرب لربه ساجداً وراكعاً يتقرب إلى الله بجبر قلبها، وإدخال السرور عليها، ويتقرب إلى الله بحسن مباسطتها، وبالتشريع للأمة في الكمالات، وبأحسن المعاملات التي تكون بين الأهلين والزوجات، فهذه كلها شئون ينبغي للمسلم أن يجعلها نصب عينيه، وعلى هذا فقد تحتاج المرأة أحياناً إلى إدخال السرور عليها في داخل البيت، فيترسم المسلم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحتاج إلى إدخال السرور عليها خارج البيت، فيُدخِل السرور عليها، يخرج معها بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه فيسابقها، هي تجري وهو يجري صلوات الله وسلامه عليه، نبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه ومع ذلك يسبقها، حتى لما بدنت رضي الله عنها سبقها، فقال لها: (هذه بتلك)، وكل ذلك ملاطفة وإحسان في المعاشرة، والله ما نظرت إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتأملته وأحسنت النظر فيه إلا وجدت المعاشرة بالمعروف في أكمل حللها وأجمل صورها، حيث كان عليه الصلاة والسلام أكمل الأمة في حسن معاشرته لأهله، فلا تستقيم بيوت المسلمين إلا بمثل هذه المشاعر الرقيقة، ولذلك انظر إلى الزوج الذي يعامل زوجته بمثل هذه الأحاسيس، وبمثل هذه المشاعر الصادقة، كيف أن الله عز وجل يبارك له في أهله، ويبارك له في زوجه، فيعيش تلك الحياة السعيدة المطمئنة؛ لأن من اتقى الله وامتثل أمره فعاشر أهله بالمعروف وكل من اتقت الله فعاشرت بعلها بالمعروف جعل الله عاقبة ذلك الحياة الطيبة وحسن العشرة لهما، فلا يسمعان ولا يريان إلا ما يسرهما لا ما يسوءهما، فعلى المسلم أن يمتثل كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحقيق هذا الواجب العظيم.

وهنا أمرٌ ينبغي التنبيه عليه، وهي مسألة عدم المقابلة والمكافأة في العشرة بالمعروف، من أصعب ما يكون على الزوج أن يبادل زوجه الحنان والرحمة والإحسان، فتقابله بالإساءة والأذية والامتهان والعصيان، ومن أصعب ما يكون أن تقابل المرأة زوجها بالمشاعر الكريمة والأحاسيس الطيبة والأخلاق الحسنة فإذا بها تُقابل بالمشاعر المؤلمة القاسية الجارحة التي تسيء إليها كثيراً، فما هو الواجب على المسلم؟ وما هو الواجب على المسلمة؟ يقول بعض العلماء: أكمل ما يكون الأجر وأعظم ما يكون الثواب في حسن المعاشرة بالمعروف، بل وأصدق ما يكون الزوج معاشراً لأهله بالمعروف إذا قوبل بالإساءة، وأكمل ما تكون المعاشرة من المرأة لزوجها بالمعروف إذا قوبلت بالإساءة، ولذلك قال أحدهم: (يا رسول الله! إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني، وأعطيهم ويحرمونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، فقال: إن كنت كما تقول، فكأنما تسفُّهم المَل) أي أنت الرابح، وأنت الذي في غنيمة، فالله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

يا أيها الزوج! إن أحسنت في معاشرتك فأنت تنتظر من الله حسن الثواب، وحسن العاقبة والمآب، ولا تنتظر من هذه المخلوقة شيئاً انتظر من الله، وهذا أمر ينبغي لكل مسلم يريد أن يكسَب الخلق الحسن ألا ينتظر من الآخر شيئاً، من أراد أن يحسن خلقه، وأن يكمُل خلقه فعليه أن يجعل نصب عينيه الله جل جلاله، ويمتثل شرع الله لله، لا من أجل أن يقابل معروفه بالمعروف وإحسانه بالإحسان، لا، وإنما من أجل أن يُقابل بالشكر من الله من فوق سبع سماوات، ومن أجل أن تخط الكلمات والأخلاق الطيبة والمعاشرة الطيبة في صحيفة عمله، فيراها نصب عينيه في يومٍ يبعثر فيه ما في القبور، ويحصّل فيه ما في الصدور، فإذا عمل الإنسان وكانت أخلاقه طيبة وكان زوجاً كريماً ووجد المرأة لئيمة وتؤذيه فليصبر، فلعل الله أن يعوِّضه خيراً.

قال بعض العلماء في قوله تعالى: وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء:90]: لما ابتلي زكريا بحرمان الولد، صدع إلى الله بدعواته، كما ذكر الله عز وجل:  ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مريم:2-5]، ناداه وعمره مائة وعشرون عاماً، ما قنط من رحمة الله جل جلاله، فناداه في آخر عمره أن يرزقه الله الولد، فمن كرم الله عز وجل أن الله أعطاه حاجته وزاده، وهكذا على الدوام كل من دعا الله بيقين خاصةً في الكربات والشدائد فإن الله لا يعطيه حاجته فقط، بل يعطيه حاجته وزيادة، ولذلك قال تعالى: وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء:90]، أعطاه الولد: وهبه زكريا، وأصلح له زوجه: قال بعض العلماء في هذا: وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء:90]: كانت زوجته تسبه وتؤذيه وكانت سيئة غليظةً عليه فصبر عليها إلى آخر عمره، فعوّضه الله الولد، وحسن الاستقامة من الزوجة، وحسن المعاشرة منها، يقول بعض مشايخنا رحمة الله عليهم: قل أن يؤذى رجل بزوجته في أول حياته إلا عوّضه الله صلاحها في آخر عمره، حتى ذكروا عن بعض الناس أنه ابتلي بزوجة آذته وأضرت به في أول حياته، وشاء الله عز وجل أنه ابتلي بالمرض في آخر عمره، فعطف الله قلبها عليه في آخر العمر، وأصبحت تحن إليه حناناً شديداً، وأصبحت تقوم على شأنه، حتى تخلّى عنه أولاده وإخوانه وعشيرته وقرابته وما بقي معه إلا امرأته، وهذا من الله جل جلاله؛ لأن الله سبحانه وتعالى يكافئ العبد على صبره، فإذا عاشر الرجل امرأته بالمعروف فوجد خيراً فليحمد الله، وإذا وجد غير ذلك فليصبر فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وكذلك المرأة الصالحة لا تنتظر من بعلها إذا عاشرت بالمعروف أن يرد لها معروفها، ولكن تنتظر من الله جل جلاله أن يعوِّض صبرها، وأن يجبر كسرها، وعليها إذا رأت الخير من زوجها أن تحمد، وإن رأت غير ذلك فلتصبر، فإن الله سيعوضها في دينها ودنياها وآخرتها.

( فقه الأسرة - الحقوق المشتركة )   للشيخ : ( محمد مختار الشنقيطي )

 




2024-04-01  الشيخ محمد مختار الشنقيطي