فتاوى فقهية 4
النكاح بدون توثيق أو ولي أمر
الزواج بدون ولي أمر لا يصح، باطل في قول الجمهور؛ لحديث «لا نكاح إلا بوَليّ» [أبو داود: 2085]، وإن اختلف العلماء في وصله وإرساله لكن المرجح عند جمهور أهل العلم أنه موصول، وأنه صحيح، و«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» [المسند: 24372]، فالولي شرط من شروط صحة النكاح .
وأما توثيق النكاح الذي تمت شروطه وأركانه وحصل فيه الإيجاب والقبول، توثيقه بورقةٍ هذا من الأمور الرسمية التي تُسهِّل التعامل بين الناس، وليست من واجبات الشرع، فلو تم بدون ورقة بإيجاب وقبول بحضور الولي وتمت الشروط والأركان فإنها تَحل لزوجها ولو لم يُثْبَت في الأوراق الرسمية، لكن عند الإجراءات النظامية وما يترتب على النكاح وما يترتب على التوثيق هذا أمر لا شك أنه من متطلبات التنظيمات الإدارية، ولا علاقة له بصحة العقد .
زواج الابن من امرأة أعرض والده عن الزواج بها
إذا خطب الرجل امرأة ولم يتم العقد عليها فإنها لا تزال أجنبية عنه وعن أولاده، فلا مانع لولده أن يتزوجها، فلا يوجد ما يمنع من أن يتزوجها ولده؛ لأنها أجنبية عنه وعن أبيه مادام لم يعقد عليها الأب، أما مجرد الخطبة فلا أثر لها .
إلزام البنت بقبول الزواج ممن يرضاه والدها
لا شك أن طاعة الوالدين في مثل هذا من البِرّ، لاسيما إذا كان المختار من قِبَل والدها كُفْئًا، فالقبول به بداية التوفيق -إن شاء الله تعالى- لكن إذا لم يكن كُفْئًا فلا يلزمها أن تقبل به، وإذالم ترضه لنفسها فليس من العقوق أن ترد هذا الاختيار، لكن عليها أن تسلك الأسلوب المناسب الذي لا يجرح مشاعر الأب، فإذا ردّته لأنه لا يليق بها، أو لا يناسبها، أو يغلب على ظنها أنها لن تستمر معه، فالأمر لها، ففي الحديث أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «لا تُنكح الأيِّم حتى تستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن» قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت»؛ لأنها تستحي أن تصرح، فالأمر لها، وورد أن رجلًا زوَّج ابنته في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير رضاها، فشكت أباها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء. فعلى كل حال الأمر لها، فلا بد من أمرها ونطقها إذا كانت ثيبًا، أو سكوتها على الأقل إن كانت بكرًا .
تأخر الزواج وآثاره
لا شك أن ما أشار إليه السائل من غلاء المهور يقف عائقًا أمام تحصين الفروج من قبل الشباب الذكور منهم والإناث، فعلى أولياء الأمور أن يتقوا الله -جل وعلا- وأن ييسروا هذه المهور؛ ليتيسر تحصين الفروج وتقل المخالفات والمنكرات من الفواحش وغيرها، وهذا الشاب الذي يشتغل في الزراعة وراتبه لا يكفي ليبني ويتزوج، ومتطلبات الحياة مكلفة وشاقة عليه كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» [البخاري: 5065 ].
وقوله: إنه يرتكب بعض المعاصي رغم أنه ما ترك الصلاة والاستغفار، لا شك أن مثل هذا يؤجر على ما يفعله من طاعات، ويأثم بما يرتكبه من محرمات .
وأما ما أورده من الحديث المنسوب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ناكح يده والدابة في النار»، وجاء اللعن في ذلك [مجلس من حديث أبي الشيخ بن حيان الأصبهاني وغيره _ مخطوط: 5]، لكنه حديث ضعيف جدًا، وكأنه يشير إلى أنه حيث لم يستطع النكاح فإنه يستعمل العادة السرية، يعني يستمني، ولا شك أن العادة السرية محرمة، والأدلة عليها من كتاب الله -جل وعلا- كما في سورة المؤمنون وسورة المعارج: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٥ – ٦]، فلم يستثن من ذلك إلا الزوجة وما ملكت اليمين، ولو كان الاستمناء جائزًا لوجه إليه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وجه العاجز عن النكاح إلى الصوم ولو كان ذلك جائزًا لوجه إليه .
استعمال حبوب منع الحمل في أول الزواج للتأكد من صلاح الزوج
الأصل التحري في الخاطب والسؤال عنه من قِبَل ولي المرأة قبل الإقدام على الموافقة عليه، فإذا كان اختياره حسب الموازين الشرعية بأن تُرضى أمانته ويُرضى دينه ويُرضى خلقه فإن مثل هذا يزوَّج، ويُطلب الولد والذرية بينهما، أما إذا فرّط الإنسان وزوَّج موليته من شخص من غير تحرٍّ ولا تثبت فقد يتجه مثل هذا الكلام، وإلا فالأصل ألا يُقدم الإنسان على تزويج موليته إلا ممن يثق بدينه وأمانته، وإذا وُجد هذا الوصف فإنه يُطلب التكاثر والتناسل الذي جاء الحث عليه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- [أبو داود: 2050]، وأما إذا وُجد من مظهره الصلاح ثم تبين في أول الأمر خلاف ذلك، أو زُوِّج على أنه حسن الخلق، أو اعتُمد فيه على مدح شخصٍ استشير فيه فظهر منه خلاف ذلك، وأرادت المرأة أن تتأكد وتتثبت وألا تُقدم على الحمل إلا بعد أن تنظر في أمرها هل تستمر معه أو لا تستمر، فهذا لا يوجد ما يمنع منه -إن شاء الله تعالى- .
الزواج بينة الطلاق
الزواج بينة الطلاق الأئمة كلهم على جوازه إلا الأوزاعي، ورواية عند الحنابلة، شريطة ألا تعرف المرأة، ولا يعرف ولي أمر المرأة، لا بشرط ذكري ولا بشرط عرفي؛ لأن الشرط العرفي له حكم الشرط الذكري، إذا عرفوا هذا الرجل كل سنة يجي شهر، وعرف من عادته وطريقته أنه يتزوج ويوم يمشي..، هذا عرفنا أنه متعة، يعني هذا شرط عرفي تكرر منه وعرف عنه .
الزواج من الثانية دون علم الأولى
أولاً يكثر في الأسئلة قول: (رأي الدين)، لا شك أنه إذا كان الجواب بنص فهذا رأي الدين، وإذا كان باجتهاد فهذا رأي المجيب، ومع الأسف أنه يتوسع بعض الناس حتى ممن ينتسب إلى العلم، يقول: (أنت تسأل والدين يجيب)، أو (أنت تسأل والإسلام يجيب) لا شك أن هذا التوسع غير مرضي، أو يقول: (قال الشرع) وهو من كلامه واجتهاده، لا، إذا كان الجواب بنص فلا مانع هذا هو رأي الدين، وإذا كان اجتهاد فهو رأي المجيب المبني على الأدلة سواء كانت نصية أو أقيسة أو غير ذلك .
هذا عنده زوجة في بلده ويريد أن يتزوج من أخرى في البلد الذي يقيم فيه ولا يريد أن يخبر الأولى خشية من حصول المشاكل؛ لأن عندها أولادًا منه، فلا شك أن الزواج من الضرة مؤثر على الأولى، وتحصل من جرائه مشاكل، فهو يريد أن يكتم عنها الزواج، والزواج إذا وجد فيه رضا المخطوبة، وتولى العقد ولي أمرها مع وجود الشهود، وحصل الإعلان تمت أركانه وصح العقد، ولو لم يُخبر الأولى؛ لأنه قد يكتم عنها أول الأمر، وقد حصل قضايا من هذا النوع، أنه توفي الزوج وفي ذمته زوجة أخرى لم تعلم بها الأولى، وعندها أولاد، وحصل له أولاد من الثانية والإخوة لا يعرف بعضهم بعضًا، هذا لا أثر له في العقد، لكن له شيء من الآثار، وقد يترتب على ذلك شيء من القطيعة، لكن الزواج صحيح، ومادامت الشروط والأركان متوافرة فالزواج صحيح، لكن لا بد أن يكون الزواج معلنًا بحيث يستفيض خبره ويُعرف أن فلانًا تزوج من فلانة عند الحاجة، بحيث إذا مات يُشهد بأنها زوجته فترث، ويُشهد بأن هؤلاء الأولاد من هذه المرأة من فلان، أما إذا حصل الكتمان ولم يُنشر ولم يُشهر فإن هذا يترتب عليه آثار سيئة .
الزواج ممن يقيم في بلاد غير مسلمة
إذا كان القبول المراد به بعد الإيجاب, فإذا قال: زوجتك بنتي فلانة، قال: قبلت هذا الزواج ورضيت به، قاله ولي المرأة وقَبِلَه الزوج ولوكان في غير بلاد المسلمين، العطف صحيح, لكن المسألة فيما يظهر من قولها: ما حكم قبول الزواج ممن يقيم في غير بلاد المسلمين؟
خطبها شخص يقيم في بلاد الكفر وهي مسلمة وهو مسلم, لكن الإقامة في بلاد الكفر، الزواج صحيح، لكن الإقامة في بلاد الكفر من غير حاجة ولا ضرورة جاء النهي عنها، ووجوب الهجرة منها، إلا بالنسبة لغير المستطيع، أما الزواج فلا أثر للإقامة في حكمه, بل إذا وُجدت شروطه وأركانه صح الزواج .
مسألة الهجرة إلى بلاد المسلمين هذه واجبة إلى قيام الساعة ولا تجوز الإقامة في بلاد الكفر لغير حاجة ولا ضرورة، فيجب عليه حينئذ الهجرة إلا اذا كان عاجزًا عنها
اكتشفت أن الذي عقد عليها مقصر في الصلاة ويخالط النساء
الحمد لله، إذا تم عقد الزواج بالإيجاب والقبول المعتبر شرعاً بالولي والشاهدين، صارت المرأة زوجاً للرجل، فعليها من الحقوق ما على غيرها، وعليه من الحقوق والنفقات والسكنى والاستمتاع وغير ذلك من الحقوق الواجبة للزوجة، فإن كان الرجل لا يصلي الصلوات الخمس فهو كافر ونكاحه باطل ولو صلى الجمعة، وكونه يزور المواقع الفاسدة ولديه شركة تجارية فيها اختلاط، هذه معاصي يجب عليه تركها لكنها لا تقتضي فسخ النكاح ما لم يتعدّ الضرر إلى الزوجة والأولاد، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وعلى كل حال الأهم في الموضوع الصلاة، فلا بد من التأكد من أن الزوج محافظ على الصلوات؛ لأن الذي لا يصلي كافر لا يجوز للمسلمة أن تبقى في عصمته .
المحرمية بين الرجل وزوجة عمه أو خاله
إذا كانت العلاقة بينكما بمجرد كونها زوجة لعمك أو لخالك ولا سبب للقرابة غير ذلك فإنك لست بمحرم لها؛ لأنها أجنبية عنك، وكذلك زوجة أخيك، هؤلاء أجانب عنك، أما إذا كانت زوجة عمك أو خالك تجمعك بهما قرابة مقتضية للمحرمية من نسب أو رضاع فهذا شيء آخر، أما مجرد كونهما زوجتين لعمك أو خالك فإن هذا لا ينشر المحرمية بل هما أجنبيتان عنك .
إمساك الزوج للزوجة بشرط عدم المبيت معها
لا شك أن إمساكها من غير قَسْم إذا كان برضاها ومراعاة لمصلحتها ومصلحة أولادها لا شك أن هذا أفضل، وإذا تنازلت عن شيء من حقها فالأمر لا يعدوها، سواء كان في القَسم أو في النفقة أو في السكنى أو غير ذلك، فإذا تنازلت بطوعها واختيارها فالأمر لا يعدوها، يجوز لك ذلك، وإن أصرت إلا على القَسم وأنه لا بد أن يقسم لها ليلة مستقلة فأنت تقدر مصلحتك لاسيما إذا كان الأذى من قبلها .
إتيان الزوجة في دبرها
حكم إتيان الزوجة في دبرها محرم، ونقل عليه كثير من أهل العلم الإجماع، فلا يجوز إتيانها في دبرها، يعني في عجيزتها، وأما قوله -جل وعلا-: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣]، يعني كيف شئتم مقبلين ومدبرين، على جنب أو على استلقاء أو ما أشبه ذلك، كله في موضع الحرث الذي هو الفرج (القُبُل)، وأما الدبر فلا يجوز بحال، و{نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ} يعني الحرث إنما يؤتى من موضع الحرث
هجر الزوجة أكثر من ثلاثة أشهر
الواجب بين الزوجين العشرة بالمعروف {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨]، فالمرأة «عَوَان عندكم» [الترمذي: 1163] كما جاء في الحديث، «واستوصوا بالنساء خيرًا» [البخاري: 5186] كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يجوز للزوج أن يحبسها في بيته ولا يعاشرها ولا ينفق عليها ولا يعاملها بالحسنى، وإنما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فلا يجوز له بحال أن يحوجها إلى غيره مع قدرته على ذلك .
وأما ما أُشير إليه في السؤال من أنه هجرها ثلاثة أشهر فهذا لا يجوز إذا كان المراد بالهجر: الهجر بجميع أنواعه في الكلام وفي الفراش وغير ذلك، وأما بالنسبة إذا عاشرها بالمعروف وبقي مسألة الفراش فإنه يلزمه أن يكفيها بحيث لا تتطلع إلى غيره، ومن أهل العلم من يَحُدُّ ذلك بأربعة أشهر بناء على أن مدة التربص في الإيلاء أربعة أشهر، والإيلاء هو أن يحلف الزوج ألا يطأ زوجته، فيُنتظر مدة أربعة أشهر، فإن فاء ورجع وإلا تفسخ منه، هذا يسمونه الإيلاء {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦ - ٢٢٧ ]، فالمرأة لها نصيب من زوجها، ولها عليه حقوق، فلا يجوز له أن يؤذيها ولا أن يضيق عليها ولا أن يحوجها إلى غيره، فمتى ما احتاجت إلى نفقة أو احتاجت إلى كسوة أو احتاجت إلى سكن أو احتاجت إلى عِشرة لزمه أن يلبي جميع رغباتها وحاجاتها، فإذا استمر على هذا الهجر -وكأن المراد به الهجر في الفراش- أربعة أشهر فإن عاد إلى رشده ولبّى رغبتها وإلا فلها أن تفسخ النكاح من قبل القضاء، أما كونها تَطْلُق كما جاء في السؤال (أن من هجرها أكثر من أربعة أشهر كأنه طلقها) فهي لها أن تفسخ بعد أن تطلبه في القضاء، ولا تَطْلُق بمجرد ذلك .
العادة السرية قبل الزواج
على المسلم أن يتقي الله -جل وعلا- ولا يعرض نفسه للفتن، فيكف نفسه عن المحافل التي يوجد فيها ما يثير الشهوة، ولا يشاهد القنوات التي تخرج فيها النساء فتثير فيه هذه الغريزة، أما إذا حصل له شيء من غير قصد وثارت شهوته ولجأ إلى هذه العادة فلا شك أن القول المقرر عند أهل العلم أنها محرمة، والفقهاء يقولون ومن استمنى بيده لغير حاجة عُزِّر ولا يعزر إلا على محرم، ومن أدلة تحريمها ما جاء في سورة المؤمنون وسورة المعارج "والذين هم لفروجهم حافظون إلى على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم" فحصر الإباحة على الزوجات وما ملكت اليمين وما عدا ذلك فإنه عدوان ومن ذلك استعمال اليد أو غيرها مما يستخرج به هذا المني فإنه يأثم بذلك، ولكن إذا اضطر إلى ذلك وكان البديل لذلك أن يرتكب فاحشة أو ما أشبه ذلك فلاشك أن الشرع جاء بتقرير ارتكاب أخف الضررين، ومع ذلك إذا حصل منه ما يغلبه على نفسه وقويت شهوته بحيث لا يستطيع أن يترك هذا الأمر فعليه حينئذ أن يتوب ويستغفر ويرجع إلى الله -جل وعلا- وأن يعزم أن لا يعود، ومع ذلك مثل هذا عليه بالصيام: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وجاء» [البخاري:5065]، ولو كان الاستمناء جائزا لوُجِّه إليه ما وجه إلى الصيام لكن مع ذلك على الإنسان أن يبدأ بسد جميع المنافذ التي تثير فيه هذه الغريزة وهذه الشهوة والله المستعان .
حرمان البنات الصغار من الزواج انتظارًا للكبار
يجب على أولياء الأمور أن يمحضوا النصح لمولياتهم، وأن يخافوا الله -جل وعلا- فيهن، وأن يتخيروا لهن الأكفاء، ومن خُطبت بعينها فإنه لا يجوز أن يرد عنها الكفؤ إذا كانت موافقة، ولا يلزم الترتيب، بمعنى أنه تُزوج الكبرى قبل الصغرى، نعم مراعاة الأمور النفسية مطلوب شرعًا وعرفًا، لكن يبقى أن هذه حقوق إذا تقدم الكفؤ للصغرى لا يجوز لوليها أن ينتظر زواج أختها الكبرى، فعليه أن يتقي الله -جل وعلا- ولا يمنع الكفؤ من تزوّج ابنته .
الزكاة إلى ابن الأخت المقبل على الزواج
الزواج حاجة أصلية تؤخذ من أجله الزكاة, وحينئذٍ إذا كان لا يستطيع فلا مانع من أن تدفع له شيئًا من زكاتها، حتى تعينه بذلك [1 ].
من الأب لابنه من الزواج
على هذا الوالد أن يتقي الله -جل وعلا-، وأن يمكن ولده من امتثال أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في قوله: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج» [البخاري: 5066]، فلا يحق له أن يمنعه من الزواج وإعفاف نفسه، وعليه أن يمكنه من الزواج وأن يعينه عليه، لكن إذا رفض الأب زواج ابنه ففي هذه الحالة ليس على الولد إجابة والده إلى هذا الطلب؛ لأن هذا الطلب ليس من المعروف، والطاعة إنما هي في المعروف، قال –صلى الله عليه وسلم-: «الطاعة في المعروف» [البخاري: 4340]، وحينئذٍ لا يقع في العقوق، لكن على الولد أيضًا أن يسلك الأساليب المناسبة لإقناع والده، وأن يوسِّط من يستطيع التأثير على والده بأن يمكنه من الزواج وأن يعينه عليه .
اختلاف مذهب الزوجين
لا شك أن مذهب الإمام مالك مذهب معتبر عند أهل العلم، وله أتباعه من أواخر القرن الثاني أو منتصفه إلى يومنا هذا، وإمامه نجم السنن، الإمام مالك بن أنس، وأولى من يقتدى به عند من ليست لديه أهلية النظر من عامة المسلمين الذين فرضهم سؤال أهل العلم، فإذا قلدت الإمام مالك، برئت ذمتها؛ لأن الإمام مالك، لا شك أنه ممن تبرأ الذمة بتقليده، لكن على الإنسان إذا وقف على دليل صحيح صريح في المسألة: أن يترك المذهب الذي يقلده ويتبع الدليل، يحصل هذا بين الزوجين، أو الوالد وولده، إذا كان كل واحد منهما له متبوع معين ممن تبرأ الذمة بتقليدهم، لا سيما في المسائل العملية، تجد امرأة تتبع مذهبًا يرى فعل أمر معين، وزوجها يريدها أن تتبع مذهبًا آخر، فهل يُلزمها برأيه؟
ليس له أن يلزمها برأيه، لا سيما إذا كان من تتبعه ممن تبرأ الذمة بتقليده، لكن يبقى إذا كان اختيارها لهذا المذهب في جميع مسائله، وهي ليست من أهل النظر، لها ذلك، ويبقى أيضًا إذا كان يتأثر الزوج من مسألة ما في هذا المذهب الذي تتبعه الزوجة؛ فمثلاً: إذا كانت الزوجة تتبع مذهبًا يرى كشف الوجه، وتقول لزوجها: أنا أريد أن أكشف وجهي، وزوجها يتبع مذهبًا يرى وجوب تغطية الوجه، فهذا الأمر يعنيه؛ لأن المرأة عِرضه، فكونها تكشف وجهها للرجال الأجانب وهو لا يرى ذلك، فمن هذه الحيثية لو قيل بأن له أن يُلزمها، فليس ببعيد؛ لأن لاختيارها لهذه المسألة تأثيراً عليه، أما المسائل التي لا تأثير لها عليه، بل هي من الديانة المطلقة التي تخصها ولا يتأثر بها بوجه من الوجوه، فلها أن تختار ما شاءت، لكن من باب النصيحة، إذا أراد أن ينصحها بأن المذهب الفلاني أقرب إلى الدليل من المذهب الذي تعتمده، أو أنه كان من أهل النظر، ووجَّهها في مسألة من المسائل أن الراجح في هذه المسألة خلاف قول من تتبعه؛ فلا شك أن طاعته في مثل هذا متأكدة[1 ].
الاغتراب عن الزوجة أكثر من سنة
إذا سافر الرجل وترك زوجته مدة لا تتضرر بها وتأذن له بها ولو طالت فإن الأمر لا يعدوها ولا إثم عليه، لكن إذا طالت المدة وتضررت الزوجة فإنه يأثم بتركها، وحينئذٍ تطالب بحقها في القضاء الشرعي، فإما أن يرجع أو يفسخ إذا كانت متضررة بالبقاء بدونه أكثر من ستة أشهر .
البعد عن الأهل مدة طويلة للعمل
من سافر وغاب عن أهله والمراد بذلك إما زوجته، أو زوجته وأولاده، أو والداه، لا شك أن هذا مضر بهم، فيبقى إن كان الوالدان راضيين فالأمر لا يعدوهما، لكن عليه أن يراعي مشاعرهما، وأما بالنسبة للزوجة فلا يجوز له أن يتغيب عنها أكثر من ستة أشهر كما قرر ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- إلا إذا رضيت بذلك، وإذا خشي عليها من الفتنة لا يجوز أن يسافر عنها مدة تحوجها وتوقعها في الفتنة، فعلى الأزواج أن يتقوا الله -جل وعلا- في زوجاتهم، لا شك أن الزمن زمن فتن فلا يأمن الإنسان على أهله، فلا بد من رعايتهم وألّا يكون سببًا في انحرافهم وإيقاعهم فيما حرّم الله -جل وعلا- .