فتاوى فقهية 5
البعد عن الزوجة من أجل السفر للعمل
لاشك أن الزوجة تحتاج إلى زوجها، لكن في مثل هذه الصورة إذا كان مكرهًا عن البعد عنها وملزمًا به بحثًا عن العلم أو المعيشة وزوجته راضية بذلك طالت المدة أو قصرت فالأمر لا يعدوها، وأما عند المقاصة والمحاكمة فإنه لا يجلس أكثر من ستة أشهر عن زوجته ويلزمه حينئذٍ الرجوع، فإذا رضيت بمكثه أكثر من ذلك وأمن عليها من الفتنة فلا مانع أن يمكث أكثر من ذلك، وإلا فعليه أن يرجع في كل ستة أشهر كما حكم بذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب .
الحلف بالطلاق
على هذه المرأة أن تتقي الله -جل وعلا- في طاعة زوجها فطاعته واجبة في مثل هذا تأثم بمخالفته، فلا يجوز لها الخروج بدون إذنه لاسيما وقد منعها من الخروج حتى تستأذن منه، فهي آثمة بخروجها إلى ما ذكر من صالات الأفراح بدون إذنه، وذكر أنه غضب عليها وحلف عليها بالطلاق فإذا كان يريد فراقها بهذا الحلف فلاشك أنها تطلق إذا خرجت بدون إذنه، وإذا كان يريد منعها من الخروج فمن أهل العلم وهم الجمهور من يرون نفوذ مثل هذا الطلاق؛ لأنه علق على شرط وقد حصل، ومنهم من يقول حكمه حكم اليمين إذا قُصد به الحث أو المنع فإنه يكفر كفارة يمين ولا يقصد به الطلاق حينئذٍ .
العشرة بين الزوجين
سفر الزوج عن زوجته لا شك أنه يعطل بعض مصالح الزوجة ولاشك أن الزوجة بحاجة ماسة إلى زوجها، ولكن قد يحتاج الإنسان إلى السفر لطلب علم أو معيشة أو ما أشبه ذلك فحينئذ لا مانع أن يسافر ويترك زوجته في مأمن بحيث لا تخاف على نفسها ويُضرب له مدة كما روي عن عمر -رضي الله عنه- لما سأل حفصة كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت أربعة أشهر، ثم شاور مع ذلك الصحابة، ثم ضرب المدة بستة أشهر لا تزيد على ذلك .
الزواج وطلب العلم
الزواج سنة المرسلين، ومن سنن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((ومن رغب عن سنتي فليس مني)) [البخاري: 5063 ] كما قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح، ولا يُترك الزواج لأي سبب من الأسباب، اللهم إلا من عجز عنه، ممَّن ليست لديه القدرة والأهلية، ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) [ البخاري: 5065]، فلا مبرر لترك الزواج لمجرد التفرغ لطلب العلم، والذي ثبت بالتجربة أن الزواج خير معين على طلب العلم، ولو لم يكن فيه إلا حفظ النفس عن الهواجس والخواطر وحديث النفس الذي يقضي على كثير من أوقات الناس، فإذا اجتمع فكره لأن زوجته بجانبه، وكتابه بيده، الحمد لله، ماذا يعوقه؟
المسألة ليست مفترضة في أن يكون العلم ديدنه في كل وقته ليله ونهاره لا، بل المسألة: لنفسه عليه حق، ولزوجه عليه حق، ولزوره عليه حق، ولأهله عليه حق، المقصود أنه لا بد أن يسدد ويقارب، والخير كل الخير باتباع النبي -عليه الصلاة والسلام-، قد يقول قائل: إن بعض أهل العلم الكبار ثبت عنهم أنهم ما تزوجوا، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، نقول: لعل رغبته في الزواج أقل، وأنه إذا تزوج امرأة خشي من ظلمها؛ لأنه ليست لديه القدرة الكافية، يعني الشهوة الشديدة التي تجمع بين تحصيل العلم ونشر العلم مع إرضاء الزوجة، فإذا كان هناك ضعف وهو منصرف بكليته إلى العلم فقد تتضرر الزوجة بهذا، فمثل هذا قد يعذر، وإلا فالأصل الزواج، مع أنه ذكر أن شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- قد تسرى، ذُكر ذلك .
المصدر: شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية لفضيلة الشيخ عبد الكريم الخضير
التوفيق بين بِرّ الوالدين ورضى الزوج
على كل حال بِرّ الوالدين واجب, وعند التعارض بين مطالب الوالدين ومطالب الزوج بعد الزواج، فحق الزوج على زوجته مُقدَّم على غيره مطلقًا، ومُقدَّم على جميع الحقوق من حقوق المخلوقين، فإذا تعارض طلب الوالد أو الوالدة مع الزوج فحق الزوج مقدم, و يقال مثل هذا فيما إذا تعارض حق الوالد مع الوالدة, وسئل الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: أمرني أبي فنهتني أمي؟ قال: أطع أباك ولا تعص أمك .
بعض الناس قد يتصور أن هذا الكلام حيدة عن الجواب، وأنه ليس فيه جواب كافٍ ولا شافٍ, كيف يطيع أباه ولا يعصي أمه؟
في الأمور المتعارضة مثل هذا لا شك أنه إذا أمره أبوه فطاعته واجبة، لكن إذا نهته أمه عن طاعة أبيه، فإن كان الاشتغال بطاعة أبيه يفوت لها مصلحة فحق الأم أعظم, وإن كان لا يفوت لها مصلحة ولا تتضرر بطاعته، فنهيها له معصية؛ لأنها تنهاه عن بره بأبيه ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلا شك أن هذه الأمور تجب مراعاتها، وأن الإنسان يخرج من المسألة برضاء جميع الأطراف، إذا لم يمكن هناك مقاطع للحقوق, فأولى الناس بالبر الأم ثم الأب، لكن المرأة حق زوجها أعظم من حق والديها، زوجوها بطوعهم واختيارهم فانتقلت الحقوق إليه مع وجود حقوق للوالدين، على أن لا تتعارض مع حقوق الزوج .
السائلة هنا ليست بعاقة، عليها أن تسعى وتسدد وتقارب بإرضاء والدتها بالأسلوب والطريقة المناسبة, لتقنع زوجها بأن تكثر من زيارة أمها؛ لترضى عنها، وبالتفاهم يحصل الخير الكثير [1 ].
الجمع بين المرأة وخالتها
جاء الحديث الصحيح الصريح في أنه لا يُجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وهذه بنت الأخت تكون الثانية خالتها، فهذا منصوص عليه، بل مجمع عليه بين أهل العلم، فلا يجوز أن يجمع بينهما .
الطلاق السني والطلاق البدعي
الطلاق السني المنسوب إلى السنة الذي تطبق فيه السنة، وما عداه يدخل في حيّز البدعة فيكون بدعيًّا، فالطلاق يكون سنيًّا إذا وجدت الحاجة الداعية إليه وكان طلقة واحدة في طهر لم يقع فيه جماع، فإذا لم يكن هناك داعٍ للطلاق فالطلاق غير مرغوب في الشرع، فلا يكون من السنة، وإذا وقع في الحيض صار بدعيًّا على خلاف بين أهل العلم في وقوعه وعدم الوقوع، وكذلك إذا وقع في طهر حصل فيه الجماع، ولذا لما طلق ابن عمر –رضي الله عنهما- زوجته وهي حائض قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبيه: «مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر» [البخاري: 5251]؛ ليكون الطلاق في طهر لم يقع فيه جماع، فدل على أن الطلاق في الحيض بدعي، والطلاق في الطهر الذي جامع فيه بدعي على خلاف بين أهل العلم كما تقدم في وقوعه وعدم الوقوع، أيضًا يكون بلفظ واحد طلقة واحدة، ولا يكون أكثر من واحدة؛ لأنها يقع بها المقصود ولا يحصل الندم إذا أراد المراجعة، فتُطَلَّق طلقة واحدة في طهر لم يحصل فيه جماع، وأما إذا طَلَّق ثلاثًا فقد تعدى حد الله وتلاعب بحكم الله، لذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما كَثر الطلاق بالثلاث غضب وأمضاه على الناس من باب التعزير، وإلا كان الأمر أن الثلاث واحدة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي عهد أبي بكر وفي صدر خلافة عمر –رضي الله عنهما-، لكن الناس تلاعبوا بحدود الله وبأحكامه فأمضاه عليهم .
القيام بمهمة المأذون الشرعي في عقد الأنكحة
أولاً ترتيب المأذون الذي يعقد النكاح من قِبَل ولي الأمر لا شك أنها مسألة تنظيمية يُتلافى فيها كثير من الأخطاء التي قد توجد بغير هذا التنظيم، لكن إذا لم يوجد مثل هذا الأمر ولم يصدر منع من ولي الأمر عن النكاح إلا بإذنه أو بمأذونه فإنه إذا حصل ولُقّن الزوج وولي المرأة أن يقول: زوجتك يا فلان ابنتي فلانة، وقال الزوج الخاطب: قبلت هذا النكاح ورضيت به، بعد تقديم خطبة الحاجة وهي مستحبة، وما أشار إليه السائل كله أمر طيّب، وحينئذٍ يصح العقد إذا وجد برضا الزوجة وحضور ولي أمرها، وهو الذي يتولى العقد، وقبول الزوج بحضور شاهدي عدل، فإن هذه أركان النكاح قد تمت والعقد صحيح، ثم بعد ذلك إذا أريد توثيق هذا العقد من أجل الإجراءات الرسمية في المحكمة الشرعية والقاضي الشرعي تمت الأمور فلا يحتاجون إلى شيء غير ذلك، ولا مانع أن يزوج بناته ويعقد لهن .
المصدر: برنامج فتاوى نور على الدرب، الحلقة التسعون 15/7/1433ه